بحث هذه المدونة الإلكترونية

2008/04/14

معارض الشعوذة


أيام قليلة تفصلنا عن دورة جديدة للمعرض السنوي للكتاب والذي مازال ـ رغم تراجعه ـ يوفّر مساحة محترمة من ديناميكية وحركيّة ثقافية مدّة ايامه العشرة حيث يتذكّرالتونسي أنه طلّق الكتاب والقراءة واندحر بعيدا في أقانيم البيولوجيا الزائلة، حاصرته «كتب» السحر والشعوذة والطبخ والتجميل والتطبيب البدائي.. فيسارع نزرٌ قليل من الطلبة والمثقفين والكُتّاب لفكّ أسلاك الحصار ورأْب صدْع الهجران الفكري فيلوذ بقصر المعارض بالكرم ليُنقذ دماغه من مستنقع التخلّف والرجعيّة... ولكن... (اللعنة عليك أيتها اللكن)
لكن معرض الكتاب ـ منذ عدّة دورات ـ صار بدوره معرضا ضخما لمنشورات «تسويق التجهيل» ذلك أن أغلب أجنحته باتت تكتنز بالمجلّدات والكتب والأقراص الليزريّة المروّجة لكل ما يعوق الفكر ويشلُّه عن الاستنارة والعقلانيّة ويكبّله في «ظلاميّة معتدلة» و»رجعيّة معاصرة» و»جاهليّة القرن الحادي والعشرين»، و»بدائية الانسان التكنولوجي».. حيثُ تُزاحم الميثولوجيا التكنولوجيا وتُقصي الرجعيّة التقدميّة وتخترق مسوّغات الاستكانة كل مقوّمات العقلانية..
قصر المعارض بالكرم لم يعد يختلف ـ اثناء احتضانه لمعرض الكتاب ـ عن ساحة برشلونة او ساحة الباساج اين تنتصب أكشاك بين كتب السحر والشعوذة، بل ان معرض الكتاب يكاد يكون امتدادا أكبر للمركز الثقافي الروسي الكائن بشارع الحرية بالعاصمةوالذي تحوّل بَهْوُهٌ الخارجي منذ ثلاث سنوات خلت الى معرض دائم لعناوين من قبيل «روائح الشوربات والحساء» و»حلّي مائدتك» و»وصايا الطبيب ابن مفلح» و»التداوي بالعسل» و»الشاي مزاج وصحّة» و...
تصوّروا كيف أن المركز الثقافي الروسي يتحول الى أرض خصبة لتفريخ «الفكر» الأصولي... تخيّلوا أن كتب ماركس وانجلزولينين وغوركي ونابوكوف وديستوفسكي ومياكو فسكي وتشيخوف وتولستوي تندثر أمام «كتب» «تسخير الجان لمنفعة الانسان» و»تسخير الشياطين في وصال العاشقين» و»بلوغ الامل في علم الرمل» و»أحكام الحكيم في علم التنجيم» و»الجواهر المصونة واللآلئ المكنونة»..
وحدها بعض دور النشر التونسية والمغربية واللبنانية وبعض الدور العربية الموجودة بالفضاء الاوروبي، وحدها مازالت تشحذ رفوفها وترصّف عناوينها ضد هذا التيار الاصولي والطائفي والميثولوجي الجارف لأيّة بارقة عقلانية ولأي بصيص فكري وحداثي...
طبعا كل ما سبق من أفكار تظل نسبية في علاقة بما مضى من دورات المعرض وأتمنّى أيضا أن أكون مغاليا في ما كتبت حول الدورة الجديدة لمعرض الكتاب، وأن تكذّب أروقة المعرض كلامي هذا فتتناسل الكتب الفكريّة والاصدارات المعرفية الجادة والحداثية فتكتسح مساحة أكبر على حساب كتب الشعوذة والسحر واللاّهوت والايديولوجيا الرجعية... ولكن... بصراحة لا أظن أن ذلك سيتحقق بل بالعكس تماما أرى أن الافق قد انحدر كثيرا نحو الأسفل... نحو الحضيض.... بل أرى أن القصر صار وكرًا !!!