بحث هذه المدونة الإلكترونية

2009/03/19

خيرنا ماشي لغيرنا

"خيرنا ماشي لغيرنا"

لم أجد أبلغ من هذا المثل الشعبي الذي يجري على ألسنتنا لأصف بعضا مما يعانيه الإنتاج السينمائي ببلادنا، خاصة فيما يتعلق بعملية تصوير الأفلام. وما دفعني للكتابة مجددا في هذا السياق ما شاهدته مؤخرا بشارع الحبيب بورقية يوم تم تصوير "لقطة اشهارية" أو "فيلم إشهاري قصير" لأحد المؤسسات الخاصة منذ أيام معدودات.

يومها خلت نفسي وأنا أقطع، شارع الحبيب بورقيبة، شارع الكراسي واللغو، بأنني أعبر أحد شوارع فرنسا، لو لم يعترضني البعض من أصدقائي تقنيي السينما أصحاب الشهائد العليا في فن التصوير السينمائي وإدارة الممثل، إذ وجدتهم متكوكبين أمام الحواجز المضروبة على منطقة التصوير (وسط شارع الحبيب بورقيبة) يُتابعون حركات الشبان الفرنسيين وهم يُديرون ويوجهون الممثلين بكل ثقة واعتداد بالنفس.

المؤسسة الخاصة التي قامت بتصوير اللقطة الاشهارية، هي مؤسسة تونسية تنتصب على أرض هذه البلاد، واللقطة الاشهارية سيتم بثها على التلفزة التونسية للشعب التونسي، أما الفريق الذي قام بعملية التصوير فهو فرنسي...

إن إقصاء الكفاءات التونسية الشابة من المشاركة في مثل هذه اللقطة الإشهارية وغيرها من الانجازات السينمائية التي تُنتج ببلادنا سلوك غير مبرر ولا يُساهم في تطوير العمل السينمائي، وأعتقد أنه من الضروري منع التقنيين الأجانب من المشاركة في أي فيلم طويل أو قصير أو اشهاري يحمل الجنسية التونسية، عملا بالأعراف الجاري بها العمل في قطاع السينما العالمية لتوفير لقمة العيش لأبناء البلد والحفاظ على الخصوصية التونسية في أي قسم من أقسام السينما، تصويرا وإنتاجا وإخراجا... وللحفاظ على فرص العمل لتقنيي السينما وخريجي معاهد السينما... ففي فرنسا مثلا وأوروبا عموما أو الولايات المتحدة الأمريكية من المستحيل أن يعمل تقني تونسي في فيلم أجنبي، ويكفي أن نذكر صناعة السينما في الهند أو في دول شرق آسيا التي تقوم على الكفاءات الوطنية.

إن اللجوء إلى الكفاءات الأجنبية بتعلة الخبرة أمر يثير الضحك والاستغراب في الآن نفسه، فالشاب الأجنبي صاحب الخبرة يلقى من قبل المنتجين الكبار في بلاده العناية والاهتمام حيث يتم انتداب المتخرجين الجدد من معاهد السينما كمتربصين في الأعمال السينمائية أين يتم تكوينهم ورسكلتهم وهو ما لا تلاقيه الكفاءات التونسية في بلادنا في القطاع السينمائي... في ظل استحواذ نفس الأسماء على كل شيء وأيضا في ظل التعويل على تقنيي التلفزة التونسية والمتقاعدين منها للمشاركة في الأعمال السينمائية.

فطبيعي أن يمتلك الشاب الأجنبي خبرة ومعرفة عالية في المجال السينمائي بعد أن تزود بزاد معرفي إبان دراسته للسينما وتعززت قدراته وخبراته مع كل تربص يُنتدب له، وطبيعي جدا أن نتفاجأ نحن كل مرة بممثل أو مخرج شاب من فرنسا أو من ألمانيا أو من أية دولة أجنبية بما يقدمه من أعمال مهمة، وطبيعي أيضا أن يظل الشاب التونسي هنا ينتظر سنوات طوال وهو على قارعة شارع الحبيب بورقيبة وعلى قارعة الحلم والأمل، إلى أن يصل سن اليأس فلا يُنتج إلا فيلما قصيرا أو فيلمين كامل حياته الفنية، مادام مقصيا ومهمشا ولا يساهم في الأعمال السينمائية إلا نادرا وبمحض الصدفة، وهذا الوضع طبعا ينسحب على المسرح والموسيقى ومختلف الفنون.

مرة أخرى أقول انه من الضروري أن نعاود تفكيرنا فيما نحن بصدد التورط فيه ضد مستقبل هذه البلاد، ومن الضروري أن نتعلم كيف نستغل خيراتنا وكفاءاتنا البشرية وأن لا نهدرها بشكل أعمى لا يساهم إلا في تركنا أسيري غيرنا...