بحث هذه المدونة الإلكترونية

2009/06/22

حوار مع أول كاتب عام لنقابة الفنون التشكيلية بتونس الرسام عمر الغدامسي

هل يُعقل أن ينسق وينظم موظف اداري معرضا للفنون؟!!!


لأن الاتحاد العام التونسي للشغل منظمة تدافع عن حقوق العمال بالفكر والساعد وإيمانا منها بأهمية النقابات النوعية، وبعد تأسيسها لنقابة المهن الدرامية ونقابة المهن الموسيقية، ها هي تنجح في تأسيس أول هيكل نقابي للفنون التشكيلية الذي يمثله الكاتب العام الرسام التشكيلي عمر الغدامسي

* لنبدأ من حدث تأسيس نقابة الفنون التشكيلية، لماذا تأخرت إلى الآن؟

ـ عندما نتحدث عن تأخير علينا أولا أن نتحدث عن طبيعة هذه الأعمال أو هذه المهن، أقصد الفنون التشكيلية والموسيقى والمهن الدرامية... فهذه المهن تنهض أساسا على العمل التشاركي والجماعي فضلا عن كونها تتحرك في ثلاثة أقانيم هي الباحث والمتقبل والرسالة، وربما لهذه الخصوصية تأخر تأسيس هيكل نقابي إلى حد الآن.

ولكن المهم اليوم أننا استطعنا تأسيس هياكلنا النقابية تحت راية الاتحاد العام التونسي للشغل وتتأتى أهمية هذا التأسيس من التطور الكمي والنوعي الذي يشهده ميداننا الفني بشكل مطرد وبنسق متسارع كما أن انفتاحه على المدارات العالمية وتوسع السوق الفنية يحتّم علينا الالتفاف والتنظم.

اليوم تتأتى أيضا أهمية نقابتنا من أن الدولة لم تبق الحليف الوحيد للفنان من خلال ما توفره من فضاءات عامة وأروقة، بل اليوم اقتحم الخواص هذا الميدان وصاروا يستثمرون فيه.

إن الفن هو شكل من أشكال المشاركة والتفكير في الحياة الثقافية والاجتماعية والعامة ذلك ان الفنان يعبر عن مواقفه وتصوره للمجتمع ولكل المفاهيم التي تحمله كالمواطنة والديمقراطية والمشاركة السياسية وحرية التعبير... وهذا ما نراه اليوم في اعمال الشبان، جيل اليوم، الذي صار يقدم أعماله من خلال أساليب فنية معاصرة كفن التنصيبات والفيديو... غير أن السوق الفنية في تونس غير مهيئة بالشكل الكافي لاحتضان الفن الحديث حتى في مستوى الشراءات واقتناء الأعمال الفنية المعاصرة، وهذه إحدى الإشكاليات التي دفعتنا للتنظم نقابيا.

* المعروف ان الفنون التشكيلية في تونس تتسم بالفوضوية وعدم التنظيم في اكثر من وجه، فهل هذا صحيح؟

ـ صحيح إن المهنة غير منظمة، وربما لهذا ستشمل النقابة كل الفنانين التشكيليين وكل العاملين في القطاع، صحيح أن عددهم قليل الا ان تأطير هذا القطاع نقابيا مُهم للغاية لأن مظاهر سوء التنظيم متعددة وسأذكر لك بعض الامثلة.

هناك من ليست له شهادة مثلا في فن الترميم ومع ذلك يقدم اعماله وتقتني منه وزارة الثقافة والمحافظة على التراث.

منسق المعارض ايضا تقع دعوته من طرف مهرجان أو رواق او من طرف الدولة لتنظيم معرض في سياق معين، وهذا العمل اي تنسيق المعارض، يتطلب خبرة واطلاعا ودراية ومعرفة، وهي اساسا مهنة او مهمة ضرورية في الفن بشكل عام وفي الفنون التشكيلية بشكل خاص ومع ذلك مازالت غير منظمة او تحديدا هي مهمشة لأن في تونس يمكن لموظف اداري ان يقوم بهذه المهنة فينسّق المعارض وينظم المهرجانات في حين ان اصحاب الكفاءات والمحترفين لا تتم دعوتهم لذلك.

النقاد ايضا مهمشون، والنقد الفني هو جزء لا يتجزأ من المشهد الفني ومن المهم الاعتناء بالحركة النقدية لتقوم بدورها وتساهم في التعريف بالأعمال التشكيلية.

* ما هي أهم الملفات المفتوحة الآن على مكتب نقابتكم؟

ـ بالأساس هناك مسألة تنظيم السوق الفنية لضمان تطورها ونجاحها. اليوم في الفن نتحدث عن سوق موازية اذ ان هناك ثلاثة اسعار: سعر الورشة وسعر المقتني وسعر السوق الموازية وهذا ما يُربك عملية الاستثمار في هذا المجال.

أيضا القانون الأساسي للفنان، وهذا مهم للمهنة ويمكن تحقيقه، نحن اليوم في تونس والى الآن ليس لنا قانونا أساسيا يمنح الفنان صفة واضحة.

كذلك مسألة الضمان الاجتماعي وقوانين الملكية الفكرية وغيرها من المسائل الخصوصية سننطلق منها كأرضية عمل لتحديد القانون الأساسي.

والنقابة هي لبنة مهمة وأساسية وقد تشكلت في وقتها...

أيضا التكوين والتكوين المستمر ورسكلة الفنانين وهو مطلب أساسي... لأن الفن إلى جانب انه خيال وإبداع هو أيضا تقنيات وأساليب... والفن اليوم يعتمد على التكنولوجيا الحديثة وهو ما يتطلب دراية ومعرفة بها لا تتأتى إلا من خلال الرسكلة والتكوين الغائبين عن مشهدنا التشكيلي.
* هناك أيضا مسألة تزييف الأعمال الفنية ؟

ـ هذه مسألة خطيرة، فهناك أعمال مزيفة تروّج في السوق خاصة أعمال جيل الرواد مثل عمار فرحات ويحيى التركي او معاصرين مثل الحبيب بوعبانة وهذا يعكس حالة الفوضى في السوق الفنية ويعكس مدى الحاجة لتنظيم القطاع وفق القوانين والتشاريع، وهنا ألحّ على التكوين والرسكلة ليصبح لدينا خبراء قادرون على فرز الأصلي من المزيف.

وجود أعمال مزيفة يقدم الدليل ويبرهن على ان هذا القطاع استثماريا مهم وأهميته ستتضاعف بتنظيم القطاع.

* هناك أيضا ظاهرة استنساخ الأعمال الفنية؟

ـ بالفعل إلى جانب ظاهرة التزييف نجد ظاهرة استنساخ الأعمال الفنية خاصة منها أعمال المستشرقين وعرضها في السوق على أساس أنها أعمال جديدة ومبتكرة وتباع بأسعار لا تختلف عن السعر الذي يقدمه الفنان المبدع دون الإشارة إلى أن تلك الأعمال مستنسخة وهذا ما يتعارض كليا مع قانون الملكية الفكرية.

* ما هي أهم ملامح علاقة تعامل مكتبكم النقابي مع وزارة الثقافة باعتبارها الطرف الأول الذي تتعاملون معه؟

ـ طبعا الوزارة هي الطرف الأساسي فيما يخص القطاع سواء على مستوى الإدارة آو لجنة اقتناءات الدولة للأعمال الفنية، وأعتقد أنها هي الضامنة لتطبيق جملة القوانين والتشريعات المنظمة لقطاعنا.

لجنة الاقتناءات اعتقد أنها بحاجة لتوضيح هويتها هل هي لجنة اقتناء كما يعلن اسمها ام هي لجنة دعم أم لجنة تشجيع أم هي كل هذا مع بعضه البعض؟!!

فبين الاقتناء والدعم والتشجيع مسافات شاسعة وأهداف مختلفة ومواصفات متباينة وهذه إحدى الإشكاليات المطروحة في الوسط الفني.

نطمح أيضا إلى أن نكون طرفا مع وزارة التربية والتعليم، لأن دور الفنان ليس هو دور أستاذ التربية الفنية، ونحن نطمح إلى إدراج الفنانين ضمن المنظومة التعليمية للإشراف على ورشات فنية مثلا أو دروس حرة يساهم الفنان في تفتيت الأمية البصرية وفي تثمين عوالم الخيال والتخييل والعفوية والحرية لدى الناشئ وهي القيم الأساسية في الفن والتي يحتاجها المجتمع لتدعيم حداثته وتقدميته.