بحث هذه المدونة الإلكترونية

2011/02/10

شطرنج سياسي


من المنتظر أن تقوم الحكومة المؤقتة بمسيرة سلميّة تجوب فيها شوارع الجمهورية وربّما‮  ‬تقرّر الاعتصام بأحد الاحياء الشعبية لتطالب برحيل الشعب التونسي‮ ‬فالرجاء عدم إلقاء القنابل المسيلة للحياء ومنحهم حق التعبير عن‮ »‬أغراضهم‮« ‬الوطنية‮!!!

❊‬‭ ‬‮❊‬‭ ‬‮❊‬‭ ‬‮❊‬

مرحبًا‮ »‬بالنهضة‮«: ‬النهضة المدنيّة والنهضة الديمقراطية والنهضة الفكرية لا العقدية والنهضة الحرّة لا الدوغمائيّة والنهضة الاقتصادية التي‮ ‬تقطع مع مظاهر الطبقية المجحفة،‮ ‬النهضة التي‮ ‬تدافع عن حقوق المضطهدين والمضطهدات في‮ ‬المصانع والمعامل والشركات والضيعات والادارات‮...‬

مرحبا بـ»النهضة‮« ‬التي‮ ‬تعلي‮ ‬شعار‮ »‬الدين لله وتونس للجميع‮«.‬

❊‬‭ ‬‮❊‬‭ ‬‮❊‬‭ ‬‮❊‬

يبدو أن ما تغيّر بعد ثورة‮ ‬14‮ ‬جانفي‮ ‬2011‮ ‬هو فقط الوجوه والاسماء أما قواعد اللعبة فهي‮ ‬باقية على حالها أو هي‮ ‬تتحرّك ببطْء وتململ شديدين‮... ‬لعبة الشطرنج السياسي‮ ‬والاداري‮ ‬التي‮ ‬يتم تحريك قطعها السوداء بشكل سريع وغير مبرّر،‮ ‬تحرّكها أصابع سوداء بطريقة مفضوحة لم تعد تنطلي‮ ‬على الشعب الذي‮ ‬قال‮ »‬لا‮« ‬في‮ ‬وجه الطغاة‮...‬

مُحرّكو القطع السوداء مازالوا‮ »‬يُعَيّنُونَ‮« ‬الولاّة الفاسدين والعُمد والمعتمدين والمندوبين الجهويين ومديري‮ ‬الأمن ومديري‮ ‬الاذاعات ومازالوا‮ ‬ينتظرون احراق المراكز وقتل الناس ليفتحوا التحقيقات‮!!‬

اعتقد أن فرصتنا اليوم،‮ ‬لن تتكرّر،‮ ‬إن لم نخض امتحانا أوَّليا وتجريبيا في‮ ‬الانتخابات الشفافة،‮ ‬وأعني‮ ‬أن أهل تالة مثلا هم أدرى بمن‮ ‬يدير شؤونهم‮  ‬ومواطني‮ ‬صفاقس أدرى بمن‮ ‬يكون واليا عليهم ومنشطي‮ ‬ومنشطات الاذاعات والتلفزيونين الوطنيّين‮ ‬يعرفون من‮ ‬يصلح لادارة مصادحهم وكاميراواتهم‮  ‬والرّيفيون‮ ‬يعرفون جيدا من‮ ‬يتكلم باسمهم‮... ‬فاتركوا المعنيين بأمرهم‮ ‬يمارسون حقهم في‮ ‬انتخاب من‮ ‬يرونه صالحًا وتخلّوا عن منطق التعيين والوصاية‮!!!‬

❊‬‭ ‬‮❊‬‭ ‬‮❊‬‭ ‬‮❊‬

أعتقد أن‮ »‬نخبنا السياسية‮« ‬لم تستوعب بعد أن صراعنا اليوم هو بالأساس صراع سياسي‮ ‬قبل أن‮ ‬يكون صراعًا ايديولوجيًّا،‮ ‬ذلك أن العدو الرئيسي‮ ‬اليوم،‮ ‬والذي‮ ‬يجب أن تتوحد ضدّه كلّ‭ ‬قوى التحرّر على اختلاف آفاقها،‮ ‬هو التجمع اللاّدستوري‮ ‬واللاّديمقراطي‮  ‬أساسًا بأجهزته القمعيّة وبذهنيته التَّسلطيّة،‮ ‬وفي‮ ‬مرحلة ثانية ستتضح وجوه الأعداء الثانويين‮... ‬فالحد الادنى الذي‮ ‬تتطلبه هذه المرحلة هو ضغط القوى الحيّة على رموز التخريب،‮ ‬ولننتبه جميعًا إلى أن التجمع‮ ‬يدفع بهذه القوى الى أن تدخل في‮ ‬صراعات جانبية من خلال المنابر الاعلاميّة وصفحات الجرائد لتُضعف نفسها وتجعل الشارع‮ ‬يصدق مقولة‮ »‬الفراغ‮ ‬السياسي‮«... ‬فقليلا من الذكاء‮ ‬يا أصدقاء ويا رفاق ويا أحرار تونس وكفّوا عن منطق الفرز الخطي‮ ‬والايديولوجي‮ ‬الآن‮.‬

❊‬‭ ‬‮❊‬‭ ‬‮❊‬‭ ‬‮❊‬

تتجه التعبئة اليوم نحو الافق السياسي‮ ‬ويتم التركيز على مَنْحِ‮ ‬الرخص الحزبية وترميم ما تهالك منها وتشريك بعض رموزها في‮ ‬الحكومة المؤقتة وبالمقابل نلمس تجاهلا وتغافلا عن مكوّنات المجتمع المدني‮ ‬المستقلة والاكتفاء في‮ ‬أقصى الحالات باستشارة بعض من رموزه الحقوقية‮.‬

اعتقد اننا بهذا النهج سنعود الى منطق الحزب الحاكم والحزب الموالي‮ ‬والحزب المعارض والحزب الاصلاحي‮ ‬والحزب الراديكالي‮ ‬والحزب الكرتوني‮ ‬وسيضيع بينهم حق المواطن ومفهوم المواطنة‮... ‬فدول مثل النرويج والسويد وكندا وغيرها ارتفعت كثيرا بمكوّنات مجتمعاتها المدنية والحقوقية المستقلة التي‮ ‬تدير شؤون المواطن بكل ديمقراطية وشفافية وتركت أهل السياسة‮ ‬يعتنون أساسا بالسياسات الخارجية وبرامجهم الدفاعيّة‮.‬

❊‬‭ ‬‮❊‬‭ ‬‮❊‬‭ ‬‮❊‬

أعتقد أن المركز الافريقي‮ ‬لتدريب الصحفيين عليه أن‮ ‬ينظم‮ ‬يوميًّا وبشكل ممنهج دورات تدريبية حول الاعلام السياسي،‮ ‬لعلّه‮ ‬يساهم من موقعه في‮ ‬انتشال الـمُشاهد والمستمع والقارئ التونسي‮ ‬من تسونامي‮ ‬الكلام‮ ‬غير الموزون عن التيارات السياسية والمناضلين الحقوقيين والمثقفين التقدميين‮... ‬على هذا المركز أن‮ ‬يُدرّب الاعلاميين كيف‮ ‬يُمكنهم أن‮ ‬يطرحوا أسئلتهم دون‮ »‬وَكْوَكَة‮« ‬أو ارتعاش وأن‮  ‬يعرفوا متى‮ ‬يتكلمون‮  ‬ومتى‮ ‬يصمتون،‮ ‬ولكن اعتقد أن مهمة المركز الافريقي‮ ‬لتدريب الصحفيين أعسر من مهمة الحكومة‮  ‬المؤقتة ومن مختلف اللجان،‮ ‬ذلك أنّه سيضطر إلى ارسال بعض الوجوه الاعلامية إلى المعاهد والجامعات لتعيد دراسة كتب التاريخ السياسي‮ ‬وتتقن فن الحوار‮!!‬

❊‬‭ ‬‮❊‬‭ ‬‮❊‬‭ ‬‮❊‬

كتب رئيس تحرير إحدى الصحف اليومية بطاقته‮ »‬الحرّة‮« ‬عمّا اسماه ظاهرة‮ »‬الابطال الجدد‮« ‬وكعادة هذا القلم،‮ ‬الذي‮ ‬فتح صفحات جريدته سابقا لقائمة المناشدات والمناشدين وهو واحد منهم في‮ ‬قائمة الألف التي‮ ‬نُشرت‮ ‬يوم‮ ‬20‮ ‬أوت‮ ‬2010‮ ‬في‮ ‬صحيفة الصباح‮. ‬وكعادته رَشَح مقاله بالسمّ‮ ‬الزعاف لكل نفس تحرّري‮ ‬قال‮ »‬لا‮« ‬لنظام الاستبداد عندما كان قائما،‮ ‬ومن حقه أن‮ ‬يقول لا لبقاياه التي‮ ‬مازالت تنخر كيان هذا البلد وكل نفس حرّ‭ ‬لا‮ ‬يدّعي‮ ‬بطولة زائفة ولا‮ ‬ينتظر ان تقام له ـ مثلما كتب هذا القلم الصالح الذي‮ ‬نحن في‮ ‬حاجة إليه ـ‮ »‬مهرجانات الاشادة والتمجيد والاعجاب والتقدير والاعتراف لهم بانهم كانوا اشجع من الناس وأكثر احساسا من الناس‮...« ‬مثلما كان هو‮ ‬يفرد صفحات طويلة وعريضة من جريدته لتمجيد الخراب والفساد‮.!‬

❊‬‭ ‬‮❊‬‭ ‬‮❊‬‭ ‬‮❊‬

سقط شعار‮ »‬بن علي‮ ‬رئيسنا والتجمع حزبنا‮« ‬واجتمع صوت المضطهدين على شعار‮ »‬يسقط حزب‮  ‬الدستور‮ ‬يسقط جلاد الشعب‮« ‬لتينع ثماره على أفواه المفقرّين والمهمشين والمعطلين‮... ‬غير أن اليوم‮ ‬يرفع أصحاب نظرية‮ »‬أخطى راسي‮ ‬واضرب‮« ‬و»أنا خبزيست‮« ‬شعار‮ »‬يُنْصر من صبح‮« ‬وهو شعار مركزي‮ ‬لمن‮ ‬يُؤثر الوقوف على الربوة لضمان سلامته،‮ ‬غير أن هذا الذي‮ ‬يؤثر سلامته هو ذاته الذي‮ ‬تُنتزع منه الأداءات دون وجه حق وهو الذي‮ ‬يشتغل أكثر وهو الذي‮ ‬يأخذ الاجر الأدنى ولا‮ ‬يتمتع بشروط عمل لائق ويُحرم من التّدرّج الوظيفي‮... ‬وهو الذي‮ ‬يفتقد المرافق العمومية القريبة منه ويسكن‮  ‬في‮ ‬الأكواخ والحفر‮.‬