بحث هذه المدونة الإلكترونية

2011/08/26

أحمد بالنور والانتخابات وكلمة السر



طالعت في إحدى الأسبوعيات الجديدة حوارا مع السيد أحمد بالنور المدير العام الأسبق للأمن أتى فيه على علاقته بالمنظومة الأمنية في عهد الحبيب بورقيبة وخصوصا حادثة قصف الإسرائيليين لمدينة حمام الشط في غرة أكتوبر1985 كما تحدث في الحوار عن بن علي الجاسوس للنظام الليبي والموساد، واختتمت الصحيفة حوارها مع أحمد بالنور بالحديث عن إمكانية تزوير انتخابات المجلس التأسيسي المزمع انجازها يوم 23 أكتوبر
,2011 خاصة أن قائمة الناخبين لا تزال في أدراج مكاتب وزارة الداخلية وفي أيدي المتنفذين في هذا الجهاز.

مدير الأمن الأسبق، السيد أحمد بالنور، قرن عملية تزوير الانتخابات في العهد السابق بما أسماه "كلمة السر"، تلك التي "تخرج من وزير الداخلية إلى الوالي بسرية تامة ودون علم أي كان".

السيد بالنور قال أيضا في ذات السياق:"لسنا في حاجة إلى اللجنة العليا المستقلة للانتخابات... ولا أرى أي موجب لوجودها".

إن مثل هذا التصريح يجعلنا نستنتج بكل يسر أن السيد أحمد بالنور قد "تَفَّهَ" ثاني أهم مرتكزات النظام السابق، بعد الأمن، وأعني به تزييف العملية الانتخابية والإصرار على نسبة 99 بالمائة.

فالتزوير الذي ورثه نظام السابع من نوفمبر عن نظام المجاهد الأكبر (بشهادة الباجي قائد السبسي أحد وزراء بورقيبة) لا يقتصر على وزير الداخلية والولاة فحسب بل إن أطرافا عديدة تساهم في العملية، وأول هذه الأطراف هي الأحزاب الكرطونية التي كان يستخدمها النظام السابق شمَّاعة برَّاقة للإيهام بالتعددية السياسية وبالتنافس على مقاعد الحكومة.

كما أن وسائل الإعلام البنفسجية كانت تلعب دورا مفصليا في عملية التزييف، فقبل الانتخابات تنهال التلفزة الرسمية والإذاعات والصحف على المواطن ببرامج التمجيد ومقالات التفاخر بانجازات التحول وبأن حامي حمى الدين هو الوحيد الأوحد القادر على مواصلة مسيرة البناء والانجاز، أما بعد الانتخابات فان أبواق الدعاية التي تكون قد أخذت نصيبها من الوليمة من خلال الاشهارات والعطايا والهبات، فان مهمتها الأساسية هي شن حملات تشويه وتخوين ضد كل من يشكك في شفافية وديمقراطية صندوق الاقتراع، وخاصة ضد بعض المناضلات والمناضلين والجمعيات والمنظمات المستقلة.

الطرف الثالث المساهم في تزييف الانتخابات هي الدوائر الخارجية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا بالخصوص، فرغم علمها بزيف العملية الانتخابية فإنها تسارع لمباركة نتائجها وتفوق تلميذها النجيب الذي سيواصل رعاية مصالحها الاقتصادية والعسكرية والجيوسياسية بكل تفان وإخلاص، كما أن هذه الدوائر "تطوع" بعض وسائل اعلامها لتقديم النموذج التونسي مثالا يحتذى به في النمو الاقتصادي والرفاه الاجتماعي والمناخ السياسي الديمقراطي...

الجزء الأول من تصريحات السيد أحمد بالنور يجعلنا أيضا نستنتج أن كل وزراء الداخلية في عهد بن علي على الأقل وكل الولاة متهمون بتزوير الانتخابات، الرئاسية والتشريعية والبلدية، وبالتالي انتهاك دستور البلاد وهو ما يترتب عليه اليوم أن يقفوا جميعا أمام القضاء.

أما الجزء الثاني من كلام المدير الأسبق للأمن، والمتعلق بنفيه لجدوى دور اللجنة العليا المستقلة للانتخابات فهو أيضا فيه نظر ومنه استنتاجات كثيرة، فمن حق هذا الشعب أن يتشبث بأية بارقة أمل صادقة، أو شبه صادقة، لتأمين عملية الانتقال الديمقراطي المرجوة والتي لا ينتظرها الشعب التونسي فقط، بل كل العالم، والتشبث بهذه البارقة مأتاه أن عدة مؤشرات لا تٌنبىء بمحو "كلمة السر" من ذهن السياسيين الجدد والقدامى، ومن وزارة الداخلية في حد ذاتها التي لن تتحول بقدرة قادر وفي ظرف نصف سنة إلى مؤسسة محايدة، هذا فضلا عن سلك الولاة الحالي الذي تتم عملية تعيينه وفقا للأهواء والمصالح والرغبات والولاءات، كما أن مسألة المال السياسي والتلاعب بالأصوات الانتخابية تزداد حدة اليوم بين من تربى على شراء ذمم الناس بالترهيب والترغيب وبين طامع جديد في كرسي القصر... ولا ننسى طبعا تعويم المشهد السياسي بعد الثورة بأكثر من مائة حزب وهو مدخل منهجي إلى التّزييف والتّدليس.

كما أن الجزء الأكبر من المؤسسات الإعلامية، وبعد تغيير جلدتها لأيام معدودات، عادت إلى طريقتها ونهجها واستكثرت على أقلامها ومصادحها ما وفره لها شهداء الثورة من هامش للتحرر والحرية من قيود الرقيب والخوف، ووسائل الإعلام كما نعلم، ومثلما نلاحظ اليوم، لها دور مهم في تحويل وجهة الناخبين إلى هذا الحزب أو ذاك... بل إنها اليوم تمعن في التحريض الغبي للفئات الشعبية ضد القوى الديمقراطية والحداثية مستغلة في ذلك طبيعة انتخابات المجلس التأسيسي التي هي بالضرورة "كمية" تقوم أساسا على عدد أصوات الناخبين "المجهَّلين" الذين لا يملكون حدا أدنى للتفريق بين التوجه اليميني المتطرف الذي سيكرر منظومة الاستبداد في أشكال أخرى وبمعايير مغايرة، وبين الأفق الديمقراطي الحداثي الذي يؤمن إلى حد كبير بإمكانية بناء تونس أخرى لكل التونسيين دون تمييز أو ظلم أو استبداد...

في الأخير أقول للسيد أحمد بالنور المدير الأسبق للأمن بأن تزوير الانتخابات لا يمكن أن نختزلها في "كلمة سر" بل هي كتاب دهاء ومكر ونذكره بأن الطوباوية المفرطة لا يصدقها إلا المراهقون السياسيون...