بحث هذه المدونة الإلكترونية

2011/09/16

رؤوف كوكة يهزم عبد الفتاح مورو





هل يمكن أن نجري مقارنة بين مخرج محترف يجيد ملاعبة الكاميرا والوقوف خلف عدستها باعتداد وتوثب، وبين منشط تلفزي يقدم برنامجا تلقينيا يقف أمام عدسة الكاميرا وينتظر توجيهات المخرج لحركاته وسكناته؟
هل تجوز مقارنة المخرج رؤوف كوكة بالمحامي عبد الفتاح مورو الذي نشط برنامجا تلفزيا؟
قد تجوز مقارنة من هذا القبيل بعد أن انتهت أيام رمضان وانتهت معها العادات التي يتدثر بها التونسيات والتونسيون في هذا الشهر دون سواه لتعود ألسنتهم إلى ما التصق بها من سقط الكلام وأياديهم إلى ما استطاعت إليه سبيلا من الحركات المشبوهة، وبالمثل تعود أرجلهم إلى سالف أمكنتها وفضاءاتها بعد أن أنهوا واجبا لا مفر منه...
المقارنة تبدو ممكنة بعد أن انتهت البرامج التلفزية التي تتكدس في هذا الشهر دون سواه، ورغم البعد السياسي الذي ميز برمجة هذا "الموسم الرمضاني" فان مآل البرامج التلفزية، كالعادة، منذور إلى النسيان وفي أقصى الحالات إلى "تيمة" إعادة البث بعد شهر أو شهرين...
ومن بين برامج هذه السنة التي "منت" بها الثورة على المشاهد التونسي، برنامج "الكاميرا الانتقالية" الذي قدمه رؤوف كوكة وبرنامج مستحدث على قناة حنبعل بعنوان "صحة شريبتكم" لعبد الفتاح مورو، وان جازت المقارنة بينهما فان النتيجة التي يمكن أن نظفر بها هي هزيمة مورو أمام كاميرا كوكة، والهزيمة هنا رمزية من جهة التنافس الطبيعي بين القنوات التلفزية على استقطاب أكبر عدد من المشاهدين خاصة أن البرنامجان يبثان في نفس التوقيت تقريبا، وهو ما يفترض "صراعا" خفيا بين القناتين على نسبة المشاهدة وبالتالي قيمة الاستشهار التلفزي.
هزيمة رؤوف كوكة لمورو يمكن أن نقرأها من عدة مداخل، مشهدية وسيميولوجية وايتيقية، وحتى السياسية، فبرنامج الكاميرا الانتقالية اعتمد على الحركة والتنوع وتعدد الفضاءات في حين ظل برنامج صحة شريبتكم ساكنا يدور في نفس السياق اللغوي وفي ذات الفضاء والديكور الفاخر جدا كملابس مقدمه... وكان البرنامج الأول ذا طبيعة تفاعلية تشاركية لعب فيه المواطن دور "البطل" (ولو لدقائق) في حين أن البرنامج الثاني كانت فيه العلاقة بين الباث والمتقبل علاقة عمودية فوقية اعتمدت الأسلوب التلقيني الوعظي التي تحول معها المشاهد إلى تلميذ منضبط لتعاليم المدرس في الفصل... يستمع ولا يناقش...
هزيمة كوكة لعبد الفتاح مورو تتجلى أيضا من خلال ردود أفعال المواطنين الواقعين في كمائن مخرج الكاميرا الانتقالية، فهذا المواطن الذي التصقت به شتى النعوت والصفات السلبية باعتباره إفرازا من افرازات المجتمعات المعلبة "المابعد عولمية" برهن بطريقة عفوية وتلقائية عن طينة أخرى للمواطن الايجابي فعلا من خلال تصرفات وسلوكات اتسمت مجملها، إن لم نقل كلها، فيما تعرفه فلسفة حقوق الانسان بالأخلاق المواطنية، في حين أن البرنامج الإرشادي لعبد الفتاح مورو ظل متعاليا في برج التنظير الفضفاض حيث اللغة تعلو أكثر إلى سماء أخرى تنأى عن أوجاع هذه الأرض السفلية...
إن النتيجة التي يمكن أن نخرج بها هي أن برنامج رؤوف كوكة قدم لنا صورة عن المواطن الموجود بالفعل في ثنايا الأزقة والشوارع والمؤسسات الإدارية في تونس، في حين ظل البرنامج الثاني يرسم صورة "منتظرة" أو محلوم بها للمواطن الموجود بالقوة من خلال تكريس خطاب الأخلاق أو ما يُعرف بخطاب "ما يجب أن يكون"...