بحث هذه المدونة الإلكترونية

2011/11/28

مليون خضراء اليوم تعيش



لا أحد‮ ‬ينكر أن سمات الخوف والخضوع والاستكانة كانت من بين ألصق الصفات بالشارع التونسي‮ ‬خاصة طيلة العقدين الأخيرين،‮ ‬بعد أن أحكم النظام النوفمبري‮ ‬قبضته الأمنيّة،‮ ‬وصنع‮ ‬في‮ ‬خيال كلّ‮ ‬مواطنة وكل مواطن شرطيّا‮ ‬يلازم كلّ‮ ‬الحركات والأنفاس ويحصي‮ ‬حتى أحلام النائمين‮...‬
كما لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬ينكر أحدٌ‮ ‬أنّ‮ ‬هذا النظام الصارم خلق مناضلين ومناضلات أشاوس،‮ ‬تمرّسوا على اعلان مواقفهم الرافضة لسياسة صانع التغيير في‮ ‬الساحات الجامعيّة وفي‮ ‬بطحاء محمد علي‮ ‬وفي‮ ‬مقرّات الأحزاب والمنظمات والجمعيات المدنيّة والحقوقية وكان المواطن البسيط عندما‮ ‬يشاهد أحد المناضلين أو احدى المناضلات تنقد النظام على شاشات التلفزات الأجنبية وفي‮ ‬بعض الصحف الحزبيّة،‮ ‬كان ذاك المواطن البسيط في‮ ‬بيته وأمام تلفازه‮ ‬يخاف على مصير المتكلّم أو المتكلّمة،‮ ‬وهو ما عزّز منسوب الخوف لدى أغلب المواطنين،‮ ‬حتّى أنّ‮ ‬الأولياء لا‮ ‬يتورّعون في‮ ‬مفتتح السنة الجامعيّة عن تنبيه بناتهم وأبنائهم من مغبّة الانتماء إلى اتحاد الطلبة مثلا أو الحديث في‮ ‬السياسة‮!‬
اليوم وبعد ثورة‮ ‬17‮ ‬ديسمبر‮ ‬2010‮ ‬أو‮ ‬14‮ ‬جانفي‮ ‬2011،‮ ‬أطلقت كلّ‮ ‬الحناجر،‮ ‬بما فيها حناجر الأمن،‮ ‬كلمة السّر‮ ‬‭(‬Dégage‭)‬‮ ‬تلك التي‮ ‬أربكت النظام المنهار وصارت مفتاحًا سحريّا لعدّة شعوب أخرى،‮ ‬كنّا نخالها عربيّة فقط ولكنّها تجاوزت المحيطات وبلغت أرض العم سام‮...‬
اليوم صارت كلمة السّر بحوزة مئات الآلاف،‮ ‬بل لنقل دون مبالغة بحوزة ملايين من الشعب التونسي،‮ ‬وهذا ما‮ ‬يعني‮ ‬أنّ‮ ‬عدد المعارضة سيتضاعف عدّة مرّات ولن تظلّ‮ ‬المعارضة مقصورة على بعض الأسماء أو بعض الأحزاب أو بعض المنظمات الحقوقية والنقابيّة‮. ‬انّها تتوزّع اليوم بين الطرقات والأزقة،‮ ‬في‮ ‬كلّ‮ ‬المدن والقرى،‮ ‬في‮ ‬بيوت الفقراء والأغنياء على حدّ‮ ‬السواء‮...‬
واليوم المعارضة صار لها فضاء اعلامي‮ ‬وطني‮ ‬مفتوح بشكل نسبيّ‮ ‬على كلّ‮ ‬الأصوات وكلّ‮ ‬الآراء،‮ ‬اليوم،‮ ‬وبكلّ‮ ‬تفاؤل‮ ‬يمكنني‮ ‬أن أقول إنّ‮ ‬أغنية البحث الموسيقي‮ »‬لو النّدى‮« ‬تلك التي‮ ‬تقول فيها آمال الحمروني‮ »‬مليون خضراء اليوم تعيش‮ ‬‭/‬‮ ‬تحت السياط ما تنحنيش‮« ‬يمكنني‮ ‬أن أقول بأنّها صارت حقيقة تمشي‮ ‬معنا فوق الأرصفة وتركب معنا الحافلة الصفراء‮ ‬والمترو الأخضر وتنهض مع العمّال والعاملات‮.. ‬وتدخل فصول المدارس ومدارج الجامعات والكليات‮...‬
بل انّها وجدت لها مكانًا في‮ ‬وزارة الداخليّة‮... ‬اليوم،‮ ‬وقد فازت حركة النهضة بنسبة عالية في‮ ‬انتخابات المجلس التأسيسي،‮ ‬ولو فاز مثلا حزب آخر،‮ ‬من اليسار أو القوميين أو الديمقراطيين أو الحداثيين،‮ ‬ولو فاز مثلا المستقلون فإنّ‮ ‬هذا الفوز لا‮ ‬يعني‮ ‬عودة الاستبداد مجدّدًا ولا‮ ‬يعني‮ ‬أيضا أنّ‮ ‬الفائز سيصير هو الحاكم بأمره كما فعل النظام السابق،‮ ‬اليوم كلّ‮ ‬العيون متوثبة وكلّ‮ ‬الأقلام والأصوات مستعدّة لكلمة Dégage‮.‬
ف‮ ‬مليون خضرا اليوم تعيش‮ ‬‭/‬‮ ‬تحت السياط ماتنحنيش‮.. ‬‭/‬‮ ‬واحنا سندها‮‬
‮ ‬لان اليوم،‮ ‬ليس كيوم‮ ‬7‮ ‬نوفمبر عندما وضع بن علي‮ ‬الجميع تحت معطفه باسم الميثاق الوطني‮.. ‬وبقية الحكاية‮ ‬يذكرها التاريخ‮... ‬اليوم هناك شعب كسر حاجز الخوف وطلَّق الصمت‮...‬