بحث هذه المدونة الإلكترونية

2012/02/18

المغرب الكبير:وحدة الشعوب ابقى من وحدة الحكومات

تمتد الحدود بين الدول الخمس للمنطقة المغاربية، وتنتصب الحواجز الديوانية والأمنية في مختلف نقاط العبور، غير أن حركة الشعوب لا تتوقف، بل هي في تزايد مستمر مؤسسة لعلاقات إنسانية واقتصادية بالأساس . تشهد مسيرة توحيد المغرب الكبير (تونس، الجزائر، المغرب، ليبيا وموريتانيا) تعثرا بدأت إرهاصاته الأولى تظهر بعد اشهر قليلة من تأسيس اتحاد الدول المغاربية يوم 17 فيفري 1987 غير أن النقابيين في تونس، واصلوا، رفقة إخوانهم في بقية الدول، تأمين نجاح هذه المسيرة ولو من الناحية النقابية وهم يناضلون إلى اليوم من اجل تجسيد هذه الوحدة لإيمانهم بإمكانية تحققها على خلاف الحكومات التي لم تساهم إلا في مزيد رسم الحدود بين الأشقاء، وحصر الوحدة المغاربية في خطاب رسمي مفرط في الديبلوماسية، وفي هذا الصدد اشتغل النقابيون في تونس، إلى جانب الحقوقيين والجمعيات النسوية المستقلة، على تذليل الصعوبات التي من شأنها عرقلة اللقاءات المغاربية وترتيب البيت النقابي بين كافة ممثلي المنظمات النقابية في الدول المغاربية، مما مهد لصياغة ميثاق اجتماعي مغاربي موحد وبلورة مرجعية نقابية مغاربية مشتركة ساهمت في توحيد المواقف في المؤتمرات واللقاءات الدولية والتعامل كقطب مغاربي خاصة أمام النقابات الأوروبية والأمريكية. إن دور الاتحاد العام التونسي للشغل في إنجاح مسار الوحدة والاندماج المغاربي يعود إلى فترة الأربعينيات من القرن الماضي، حيث دعا الزعيم فرحات حشاد مؤسس الاتحاد، أول منظمة نقابية في المغرب الكبير وفي الوطن العربي عموما، دعا إلى توحيد نقابات شمال إفريقيا لتعزيز الكفاح التحرري ضد المستعمر الفرنسي والاسباني والايطالي، وقد تجسمت دعوة فرحات حشاد ورواد الحركة النقابية التونسية في ما يعرف بميثاق طنجة، الذي مهد لتأسيس الاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي، والذي مقره الآن في تونس. هذا الاتحاد المغاربي كان له دور كبير في مسيرة الانعتاق من ربقة المستعمر بتوحيد صفوف المقاومة على الحدود بين الدول (خاصة بين تونس والجزائر وليبيا) ثم كان له دور هام في بناء الدولة الحديثة وتركيز أسسه وهو يواصل اليوم نضالاته من اجل الحريات العامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية خاصة وان كلفة "اللامغرب" باتت تثقل كاهل شعوب المنطقة. كما أن الاتحاد العام التونسي للشغل، إلى جانب الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات والجمعية التونسية للبحث والتنمية حول المرأة والفرع التونسي لمنظمة العفو الدولية ورابطة كتاب تونس الأحرار وجمعية "راد ـ أتاك" المناهضة للعولمة والاتحاد العام لطلبة تونس وجمعية المعطلين عن العمل، الفيدرالية الدولية من أجل المواطنة بين الضفتين واتحاد العمال التونسيين المهاجرين بباريس، كانوا من أول الداعين إلى تأسيس منتدى اجتماعي مغاربي مع بقية مكونات المجتمع المدني المغاربي المستقل، ورغم الحواجز التي رفعتها الأنظمة والحكومات في وجه نشطاء المجتمع النقابي والمدني والحقوقي فإنهم نجحوا في عقد المنتدى الاجتماعي المغاربي حيث توحدت سهام النقد ضد العولمة النيوليبرالية، واشتغل المشاركون ضمن ورشات المنتدى في مختلف دوراته على سبل إيجاد الحلول التنموية التي تحد من نزيف البطالة والفقر والمديونية في المنطقة المغاربية. كما اشتغلت المنظمات والجمعيات التونسية المستقلة النقابية والحقوقية والنسوية، في إطار هذا المنتدى وفي ندوات ولقاءات أخرى، على مسألة الهجرة السرية في المنطقة المتوسطية، بين دول الشمال ودول الجنوب، مؤكدين على ضرورة احترام حقوق المهاجرين والعمل على إدماجهم في النسيج الاقتصادي والاجتماعي للدول المستقبلة لهم. ولم يكن نضال النقابيين والحقوقيين التونسيين، من اجل توحيد المنطقة المغاربية، بمعزل عن المسار الثوري الذي تعيشه بعض دول المنطقة المغاربية (تونس وليبيا تحديدا) وقد أجملت مواقفها في العديد من البيانات التي أصدرتها مختلف المنظمات والجمعيات المستقلة منذ اندلاع شرارة الثورة التونسية وطيلة فترة الثورة الليبية، حيث أكدت على مبدأ تلازم مطالب الحرية والديمقراطية بالعدالة الاجتماعية بين الجهات والدول المغاربية، هو الكفيل ببناء منظومة اقتصادية واجتماعية مغاربية تكون الكرامة والحرية والمساواة محورها الأساسي والرئيسي، وان مكاسب الثورة (في تونس وليبيا) لا تكتمل مع استمرار ظواهر الفقر وتعميق الفوارق وحرمان الشباب من الحق في الشغل، مقدمين مختلف طرائق الانتقال الديمقراطي السلمي واستكماله ببلورة سياسة تنموية بديلة والنضال ضد تأجيل النظر في بعض القضايا المحورية مثل قضايا المرأة والشباب والفئات المهمشة. غير أن هذا الزخم النضالي التونسي من أجل توحيد المنطقة المغاربية، والى جانب كل أشكال الصد والمنع والتعطيل التي مارسها نظام بن علي لإخماده في السابق، تجد اليوم هذه المنظمات والجمعيات نفسها في مواجهة أولوية "قطرية" تحتم عليها النضال من أجل الحفاظ على مكتسبات الدولة المدنية الحديثة التي باتت مهددة بأخطار التشدد الديني تماما مثلها مثل ليبيا والمغرب، وهذا التشابه في المصير سيكون رافدا جديدا لتعزيز العمل المشترك من أجل تحقيق وحدة الشعوب المغاربية.

حجاب الورع يخنق تونس الجديدة

تم إيقاف 3 صحافيين (المدير نصر الدين بن سعيدة والحبيب القيزاني رئيس التحرير والصحفي المحرر محمد الهادي الحيدري) م جريدة "التونسية" مساء الأربعاء 15 فيفري الحالي، بتهمة المساس بالأخلاق الحميدة بعد نشرها لما وصفته النيابة العمومية "صورا فاضحة" للاعب كرة القدم الألماني من أصل تونسي سامي خذيرة مع زوجته عارضة الأزياء "لينا كارك"، وهي الصورة التي تداولتها مختلف المواقع الالكترونية الفنية والرياضية وشبكات التواصل الاجتماعي. وقد أصدر قاضي التحقيق بالمكتب 15 بالمحكمة الابتدائية بتونس العاصمة بطاقة إيداع بالسجن بحق مدير الجريدة نصر الدين بن سعيدة طبقا للفقرة الثالثة من الفصل عدد 121 من المجلة الجنائية. وتذكر جريدة "التونسية"، وهي جريدة حديثة صدرت بعد الثورة التونسية، تذكر أن نشرها للصورة على صفحتها الأولى لم يكن مجانيا وإنما رافقها خبر متعلق بمضمون الصورة، وهو ما ذكره محامي الجريدة الأستاذ شكري بالعيد معتبرا أن المحاكمة هي سياسية بالأساس ولا تعبر إلا عن نية بعض الأطراف الحكومية في الالتفاف على مبادئ الثورة وأولها حرية التعبير والإبداع. هذه الإيقاف والإيداع بالسجن، والذي يعتبر سابقة أولى في تنس منذ الاستقلال، طرح أكثر من نقطة استفهام لدى أهل القطاع الإعلامي في تونس والرأي العام الحقوقي والنقابي خاصة أن عملية الإيقاف تمت حسب القانون العام، وتحديدا حسب المجلة الجنائية ولم تعتمد على فصول مجلة الصحافة، وأيضا لأنها تأتي في ذات السياق الذي تتم فيه محاكمة قناة نسمة الفضائية بعد بثها لفيلم "برسيبوليس" الإيراني حيث وجهت لمديرها تهمة التعدي على الذات الالاهية. وكان الاتحاد الدولي للصفيين من أول الهيئات التي أصدرت بيانا مساندا للصحافيين ورافضا لعملية إيقافهم، وقد قال رئيس الاتحاد "جيم بوملحة" أن إيقاف ثلاث صحافيين يؤكد على وجود قوى مضادة في تونس ترفض تكريس حرية التعبير والصحافة، ودعا الاتحاد في بيانه الذي صدر يوم الخميس 16 فيفري، دعا الدولة التونسية إلى احترام التزاماتها مع مبادئ حقوق الإنسان التي تنص في جزء منها على حرية الصحافة والتعبير. وقد أصدرت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين بيانا عبرت فيه عن موقفها الرافض لإيقاف الصحفيين الثلاثة لما فيه من تعسف واضح في استعمال القانون واعتماد المجلة الجزائية في عملية الإيقاف دون اعتماد المرسومين 115 و116 الصادرين في 2 نوفمبر 2011 المتعلقين بالصحافة والنشر والإبداع، داعين إلى ضرورة الإسراع بإصدار النصوص الترتيبية المتعلقة بتفعيل هذين المرسومين باعتبارهما الضمانة القانونية لحماية الصحفيين وتنظيم قطاعهم. وأصدرت أيضا النقابة العامة للثقافة والإعلام بالاتحاد العام التونسي للشغل بيانا أعربت فيه عن قلقها من تكرر هذه الممارسة الضاربة لحرية الإعلام والصحافة، معتبرة أن إيقاف الصحفيين الثلاثة هي سابقة خطيرة لأنها انتهكت حرماتهم الجسدية وتعاملت معهم كمجرمين، داعية أهل القطاع إلى مزيد اليقظة أمام هذه الهجمة الممنهجة لضرب حرية الإعلام والإبداع. ودعت النقابة العامة للثقافة والإعلام إلى الإفراج الفوري عن الصحفيين الموقوفين وتوفير محاكمة عادلة لهم بعيدا عن الخلفيات السياسية أو الأخلاقية. كما أصدرت الجمعية الوطنية للصحافيين الشبان وجمعية مديري الصحف، والنقابة التونسية للصحف المستقلة والحزبية بيانات تندد بإيقاف صحفي جريدة "التونسية". كما أصدر مركز تونس لحرية الصحافة بيانا دعا فيه أيضا إلى إخلاء سبيل الصحفيين الموقوفين وإيقاف التتبع القضائي في حقهم والعمل على تنقية القطاع من الرواسب التي خلفها النظام السابق والشروع في فتح حوار وطني جدي حول واقع القطاع الإعلامي وآفاقه المستقبلية في ظل الثورة التي حدثت في تونس. كما أصدرت العديد من الصحف التونسية بلاغات مساندة لصحيفة "التونسية".