بحث هذه المدونة الإلكترونية

2012/03/21

مسرحية "نجمة وهلال" الشعر والسياسة على خشبة المسرح

ستون عاما مرت على تاريخ 52، تاريخ السيناريو المسرحي، غير أن الأسماء التي تذكر في المسرحية تجد صدا لنضالاتها وكتاباتها في الراهن التونسي اليوم فرحات حشاد، الحبيب بورقيبة، الطاهر الحداد، محمد علي الحامي، بلقاسم القناوي، أبو القاسم الشابي، لزهر الشرايطي، الساسي الأسود... أسماء تذكر في المسرحية وتعبر فضاء المنطوق والمسموع لترحل بمشاهديها نحو أزمنة مفصلية من تاريخ تونس وحياة أفرادها... سحر الرياحي وهاجر سعيد والمنجي الورفلي وعبد السلام الجمل ولزهر الفرحاني ومحمد العوادي وأحمد بلطيف وعبد السلام البوزيدي ونور الدين الهمّامي وعبد الفتاح الكامل، عشرة مسرحيين (8 رجال وامرأتان) يتناوبون على ركح المسرح بقاعة المونديال (تونس العاصمة) وسط ديكور فقير، تطوقهم اضمامة من أغاني تراث المناجم في الشمال الغربي ويجمعهم خيط ناظم لكل حكاياتهم الشخصية والجماعية هاجسهم التوحد أمام بطش المستعمر الفرنسي، والتحرر من عبودية الاستغلال. تزور صحفية فرنسية من أصل تونسي (زينة) قرية جبلية في الوسط في ربيع 1952 بحثا عن شاعر (هلال) قرأت له أشعاره، وانقطعت أخباره وكتاباته منذ سنين. تحاول إجراء تحقيق صحفي عن الشاعر وعائلته وعن مؤلفاته، ولكنها تفاجئ بإختفاءه وإنكار القرية لوجوده فيها. في الأثناء تتزايد المواجهة بين المقاومين التونسيين والمستعمر الفرنسي ويسعى "العمدة" إلى طرد الصحفية بعد أن اكتشفت تورّطه مع المستعمر الفرنسي في عمليات وشاية بالمناضلين، ومع تزايد الصراع تتوصّل الصحفية إلى اكتشاف حقيقة مقتل الشاعر من طرف المستعمر بتواطؤ من العمدة. أحداث تم بناؤها مسرحيا انطلاقا من قراءة المخرج سامي النصري للرواية الشعرية "أمس منذ ألف عام" للشاعر عادل المعيزي التي يتحدث فيها عن تجربة شاعر مع القبلية التي ينتمي إليها والتي تنكره لأنه يأتي على المسكوت عنه ويتكلم ويجاهر بما لا يجرؤ عليه أهل القبيلة. يبدو النص في ظاهره بسيطا، مثله مثل الإخراج الذي أراده سامي النصري بسيطا دون مؤثرات تقنية معقدة، حيث تنفتح أولى مشاهد المسرحية بآهات جنائزية ومواويل مغرقة في البدوية يؤديها أول ممثل يتقدم رويدا إلى منتصف الركح الذي اقتصر ديكوره على نافذتين ضخمتين يرتفع أمامهما ستار احمر. يتوقف المغني عن ترديد الآهات ليقدم للجمهور تأطيرا زمنيا (1952) ومكانيا (تونس عموما ومدينة القلعة الجرداء بالشمال الغربي تحديدا) غير أن لغة النص تأتي في جبة الشعر القائم أساسا على السجع والإيقاع الموسيقي، ثم ينفتح الركح لعدد آخر من الممثلين يؤدون دور عمال المناجم، بأزيائهم المعروفة ذات اللون الأزرق الداكن، يتحركون فوق الخشبة بشكل متناغم بين نواح وغناء جنائزي وشعارات سياسية من قبيل (عرقك يا خدام) (اطلب حقك يا خدام) (اتحاد اتحاد) ليكتشف الجمهور أن سبب حالتهم تلك هو موت عامل معهم برصاص المستعمر. المقاومين، الحرّاس، الجندرمة... إلى جانب النصّ الحواري متداخلا مع التكثيف المشهدي الكوريغرافي والاعتماد على الحركات القوية والسريعة هو من عناصر المسرحية وهو ما جعل العرض يشبه حالة استنفار لا يقطعها إلاّ تأثيثات الصمت أو ثبات الحركة الغنائية أو الموسيقية، وخلق إيقاع مشهدي تمثيلي حركي وسريع. ورغم أن دخول الصحفية فوق الخشبة واستئثارها بالنصيب الأوفر من الحوار فان التوجه "الملحمي" الذي يربط في مستوى الأداء بين القصّ أو سرد الأقوال، وبين التمثيل أي سرد الأحوال والوضعيات عن طريق الفعل الذي يقدّم الأحداث، لم يخفت، خاصة أن النص يقدم معطيات تاريخية من وقائع وأسماء من التاريخ التونسي. ينقسم النص في مسرحية نجمة وهلال (120 دقيقة) إلى مستويين، أوّل درامي حاول رصد العلاقات بين الشخصيات ومن خلالها مجموع الأحداث التي تتعلّق بها وكشف حيثياتها، أي الجانب الاجتماعي في سلوكها وفي تعالقها. ومستوى ثان تعلّق بالسرد أو القصّ الذي يقدّمه راو أو قاصّ قد يكون حينا الشخصية أو الممثّل ذاته رصد الوقائع المتعلّقة بالمكان والزمان، وكشف أبعاد الجغرافيا والتاريخ المتضمنيين للخرافة والمتعالقين معها، مثل رصد أسلوب الحياة وعلاقة الشخصيات بنمطها، والظروف التاريخية التي حفت وساهمت في ظهور الصراعات. الشعر التقى مع الغناء ضمن هذه المسرحية ليكونا روح العرض حيث تم الاعتماد على مقاطع شعرية في سياقين متكاملين، أول حديث من ديوان الشاعر عادل المعيزي، و ثان من الشعر الشعبي وخاصة التراثي منه، والمتعلّق بالشعر الذي قيل أو ألّف خاصة حول رجال الكفاح المسلّح في تونس مما خلق وحدة هامة للمسرحية بين المستوى التاريخي والمستوى الدرامي وجعل الفرجة مفتوحة على محايثة المعنى والأحداث، وفي نفس الوقت إعطاء تصوّر حيوي وصادق عما يحدث. هو ذا عرض"هلال ونجمة" حاول أن يفتح ملف السلطة السياسية وحدودها وتشعب مكوناتها في فترة من تاريخ تونس قد لا تختلف اليوم في طبيعة الصراع الدائر رغم اختلاف من يؤدي ادوار طرفي الصراع. وهذا السياق السياسي ليس غريبا عن المخرج المسرحي سامي النصري الذي اقترن اسمه بالفاضل الجعايبي خاصة بعد مشاركته في مسرحية خمسون التي مثلت محطة فارقة في تاريخ المسرح التونسي المعاصر، بطرحها للمسكوت عنه سياسيا في تونس وبما أتت به من تجديد على مستوى الإخراج والكتابة المسرحية، وأيضا بما أثارته آنذاك من إحراج حقيقي لنظام بن علي الذي حاصرها ومنع أولى عروضها، وهو تقريبا ما حصل لمسرحية سامي النصري التي أنجزت منذ 2010، غير أن ممثليها لم يصعدوا على أي ركح إلا بعد أن سقط نظام بن علي الذي لم تمنح وزارة الثقافة في عهده دعما لهذا العمل باعتباره يقدم نصا ثائرا ويحيل على التمرد والرفض بشكل مباشر لا مواربة فيه، أو هو نص ينتمي إلى ما يصفه سامي النصري بالمسرح السياسي القريب من المواطن والذي لا يكون بعيدا عن فهمهم وتصوراتهم وأفكارهم.