بحث هذه المدونة الإلكترونية

2012/10/04

مملكة النمل لشوقي الماجري: الوجع الفلسطيني... لا تحت الارض ولا فوقها...

ناجي الخشناوي اعتبر المخرج التونسي شوقي الماجري أن فيلمه الأخير "مملكة النمل" "أهم فيلم انجزه به لأنه عاش معه فترة من الزمن (الفيلم مكتوب منذ ما يزيد على السبع سنوات)... وأجمل "غايته" من هذا الفيلم في تسليط الضوء على "حق الدفن وحق الحياة" بعيدا عن الجوانب السياسية للقضية الفلسطينية... مثلت القضية الفلسطينية المحور الرئيسي لأكثر من 276 فيلما سينمائيا لمخرجين فلسطينيين، إلى حدود سنة 2001، واختلفت الكتابة السينمائية لقضية شعب الشتات من السمات الثورية والتحريضية المباشرة، إلى سمة التأمل والإفصاح عن حال الفلسطيني بلغة شاعرية لم تغفل رصد قسوة الاحتلال وبشاعته بعين فلسطينية. ثم كانت السينما العربية عموما "شحيحة" في تطرقها إلى القضية الفلسطينية باعتبار طبيعة الأنظمة الحاكمة التابعة التي تتجنب مواجهة الكيان الصهيوني ولو ثقافيا، إلى أن بدأت الأصابع المتمردة والعدسات المتوثبة ترصد علاقة الأنا الفلسطيني بالآخر "الصهيوني" بعيون ليست فلسطينية، فكان فيلم " من نحن؟" للمخرج المصري توفيق صالح فيلم (1960) أول فيلم تسجيلي طويل يقدم ظروف حياة اللاجئين الفلسطينيين مستعرضاً قضيتهم السياسية والاجتماعية... لتتناسل عشرات الأعمال السينمائية العربية عن القضية الفلسطينية لعل ما يعلق بذاكرتنا منها "فتاة من فلسطين" و"أرض السلام" و"طريق الأبطال" و"صراع الجبابرة" و"الفدائيون" و"أجراس العودة" و"ناجي العلي" و"رجال تحت الشمس" و"المخاض" و"الميلاد" و"مائة وجه ليوم واحد" و"كفر قاسم" و"الأبطال يولدون مرتين" و"قمران وزيتونة" و"أيام الضجر"، و"أحلام المدينة" و"الليل" و"شيء ما يحترق" و"رؤى حالمة" و"بوابة الجنة"... ويبقى فيلم يسرى نصر الله "باب الشمس" من بين أهم الأفلام "المرجعية" للقضية الفلسطينية وأضخم عمل (يدوم قرابة 4 ساعات و38 دقيقة) ... وأخيرا وليس آخرا يأتي فيلم المخرج التونسي شوقي الماجري بعنوان "مملكة النمل"، الذي بدأ عرضه في تونس بداية من يوم الأربعاء 3 أكتوبر 2012 بقاعات السينما (المونديال، البرناص، اميلكار المنار، مدار قرطاج، الحمراء بالمرسى) والذي جمع كل من الممثلة صبا مبارك (جليلة)، ومنذر رياحنة (طارق)، وجميل عواد (أبو النمل)، وعابد الفهد (الضابط)، صباح بوزويتة (دلال) وخالد شنير (الطفل محمّد)... ولئن طرح شوقي الماجري القضية الفلسطينية من خلال العمل الدرامي الضخم "الاجتياح" (2007) إلا أن فيلم "مملكة النمل" له نمطه الخاص ورؤية مخرجه المخصوصة للقضية الفلسطينية من زاوية الكتابة السينمائية التي تختلف عن الكتابة الدرامية، ويبرز فيه شوقي الماجري "نفسه وذاته وعينه دون غيره"، ولكن كل هذا لم يجعل الفيلم بعيدا عن الفلك العام وسياق الصراع الفلسطيني الصهيوني القائم على صياغة ميلودرامية لحكاية وطن بلا جيش اغتصبه جيش بلا وطن... ولقصص "امرأة كانت تسمى فلسطين... وصارت تسمى فلسطين..."... لتكون الذاكرة، معطوبة كانت أو متوثبة، "ملكَةَ" المملكة السينمائية التي رمى شوقي الماجري بأطرافها من تخوم السواد إلى ما لانهاية من الوتر الجنائزي... في الفيلم تنقلب معادلة الموت والحياة، حيث تصير الحياة متوهجة تحت الأرض، في حين يتطاول الموت على كل من يروم الحياة فوق الأرض... وتضعنا الشخصيات والأحداث في سياقين يبدوان متباعدين في الظاهر في حين أنهما "مكملان" لبعضهما البعض، فهدوء عالم ما تحت الأرض والضوء المنهمر على قصص العشق التي لا تقضم التفاحة إلا لتنبت شجرة ليس إلا عالما متوازيا مع عنف وصخب عالم ما فوق الأرض حيث أزيز الطائرات وصوت البنادق والمدافع... هي ذي المعادلة الوجودية لمملكة النمل: حياة فموت فحياة... تماما كتلك التي صاغها محمود درويش عندما كتب ساخرا من العدو الصهيوني "هل تعرفون القتلى جميعا والذين سيولدون... سيولدون تحت الشّجر وسيولدون تحت المطر وسيولدون من الحجر..." غير أن هذه المعادلة الوجودية جعلت نسق السيناريو وإيقاع الفيلم الداخلي يؤثران بشكل السلبي على عملية "التقطيع المشهدي" الذي كان مباغتا وسريعا في اغلبه ولم يترك للمتقبل فرصة "التماهي" مع الحكاية، ورغم الإطالة المجانية لبعض المشاهد خاصة تحت الأرض، إلا أن المخرج لم يُمكّن المتفرج من فرصة التخلص من "الهزات"المباغتة في نسق الحكاية الرئيسية للفيلم ليتابع حكاية ثانوية، خاصة أن الحكايات الثانوية أو الجانبية هي التي ترفد الحكاية الرئيسية لأي فيلم روائي طويل، وربما ما أمّن الخيط الناظم بين هذه المشاهد المقطعة، وجعلها تقترب من بعضها البعض، ذاك الإحكام اللامتناهي على مستوى الإضاءة، فالإضاءة في هذا الفيلم، وان بدت شديدة القتامة لا تستقيم إلا مع اللون الأسود أو الإنارة الخافتة وفي بعض الأحيان تشقها بهرة ضوء تنسكب من سماء الحب على مغارة الولادة، رغم ذلك فقد كانت الإضاءة نصا مكتملا بمفردها بما أضفته من جمالية إخراجية حتى يُخيّل إلى المتفرج أن بعض المشاهد قد كُتبت بالضوء... أليس الضوء قصيدة؟... وكذا كان دور الموسيقى التي رافقت المشاهد في هدوئها تارة وصخبها طورا، إذ كانت الموسيقى التي أعدها وليد الهشيم بمثابة الدليل اللامرئي أو الجواز المعنوي للاقتراب من باطن الشخصيات وتفاصيل المشاهد، وقد كانت في أغلبها موسيقى جنائزية وهو اختيار موفق، لان هذا النمط الموسيقي يتكئ على الماضي ليفتح أفق الحاضر والمستقبل، ويشحن المتقبل بطاقة إضافية، خاصة أن اللحظات المأتمية في الفيلم لم تكن الطاغية، وان بدت للعيان كذلك، لأن الكآبة لم تكن سوى جسر خارجي لإيصالنا إلى "الفرح" الكامن في كل شخصية في الفيلم... بما فيهم الشيخ (أبو النمل)... وكل مشاعر الحزن والخوف كلها كانت تخدم سياق الحياة إن فوق الأرض أو تحتها... تماما مثل حركة الممثلين التي بدت ثقيلة طول زمن الفيلم، حتى في لحظات الصراع المباشر بين الفلسطينيين والصهاينة، إلا أنها في العمق كانت هي الأخرى ترفد معنى الحياة في الصبر والتأني... "مملكة النمل" عمل سينمائي يؤجج الوجع الفلسطيني دون أن يسقط في التوثيق والتأريخ، لكن الإفراط في النوستالجيا وتواتر "الكليشيهات" المستعملة في السياق الإبداعي عموما للقضية الفلسطينية قد تجعل من الفيلم يفقد جزءا كبيرا من أن يكون إضافة نوعية للسينما العربية الهادفة، فالتيمات الرمزية المستخدمة في الفيلم من قبيل التفاحة والقمر والماء والشجرة الهرمة التي يُفتتح بها الفيلم جميعها تقريبا تم توظيفها في أعمال سينمائية سابقة... إلى جانب الصورة النمطية لأرملة الشهيد وللفلسطيني اليتيم الذي يولد ويعيش ويستشهد دون أن يعرف والديه... إلا أن ما "يشفع" لشوقي الماجري وجود هذه "الهنات" هو إيمانه، الذي عبر عنه في احد الحوارات الصحافية، عندما قال "القضية الفلسطينية أكبر بكثير من أن يلخصها فيلم أو مسلسل، كما أن هذه القضية لم تنته بعد لذلك يصعب علينا اختزالها في أي عمل فني." هي إشارات أولية بعد مشاهدة أولى لفيلم "مملكة النمل" لشوقي الماجري، الأكيد أنها ستكون فاتحة لقراءات قادمة بعد المشاهدة الثانية وربما الثالثة، لأن فيلم "مملكة النمل" يستحق المشاهدة أكثر من مرة.

من يتعلّم النضال ينسى العبودية

مهدى إلى ابن ساحات النضال الفقيد لطفي الحيدري
من لا يملك إرادة الموت لا يمكنه أن يملك إرادة الحياة، لأننا نحيا مع الموت في كل لحظة ولا نموت للحظة واحدة، والمهمة المتواصلة لحياتنا هي أن نبني صرح الموت الذي لا مناص منه، إذ بقدر ما يتعين علينا أن نعزو لحياتنا شكلا من أشكال الوعي، فإنه ينبغي علينا أيضا أن نعزو ـ لحياتنا ـ ضربا من اليقين الحدسي بالموت الذي قد يكون شرّا يترصدنا في كل منعطف ولكنه حتما ليس أمرا عبثيا لا تسوّره حكمة ما، وموت "ارنستو تشي غيفارا" لم يكن موتا عبثيا ولا موتا نهائيا، فقط اضطر للمغادرة والرحيل إلى جبهة قتال جديدة لان الثورة لا تنتظر أحدا،كما كان دائما يقول كلّما كان على أهبة مهمّة ثورية جديدة. لقد حمل سلاحه ودّس في حقيبته الظهرية، كتابات ماركس وإنجلز ولينين وأشعار بابلو نيرودا وخوسي مارتي وروايات همنجواي ولم ينسَ اضمامة الأوراق والأقلام ليكتب "يومياتي في بوليفيا" و"حرب الأنصار" و"لمحات من الحرب الثورية" وأيضا ليدوّن رسائله الحميميّة لزوجته وأبناءه وإلى رفاق الجبهات، فالفكر عنده لم يكن يوما معزولا عن الثورة أو العاصفة، والموت ليس بمنأى عن الحياة ولهذا ظل "تشي" حيّا بين المقاومين في كل أرجاء العالم ولم يكن موته المادي إلا مولدا إلى رحاب أوسع، فمن شهر السلاح مرة واحدة في وجه الامبرياليّة لا يمكن أن يُسقطه من يده أبدا و"تشي" لم يستسلم ولم يُلق السّلاح بعدُ لأنه لا يزال يُطلق رصاصه على الامبرياليّة والصّهيونية في القدس وجنين ونابلس ورام الله والضفة الغربية وقطاع غزة وفي بغداد والفلّوجة وكربلاء والبصرة وفي حمص وحلب وادلب ودمشق... وإن مات "تشي" الأرجنتيني فإن في العالم مليون "تشي" فلسطيني وعراقي ولبناني واسباني وإفريقي وآسيوي" وحال كل مقاوم يذكر في دخيلته قول "غيفارا":" لن نحقق العدالة بالابتهال والتضرّع والتعاويذ،على الشعب أن يقوم بمهمة واحدة هي النضال." ولا ينسى أيضا دقة كلام خوسي مارتي وتفاؤله الشديد عندما قال:"إن جوهر المسألة لا يكمن في كم من السّلاح تملك في يديك بل كم نجمة في السماء تريد أن تصطاد."وعدوى التفاؤل هذه صارت تسرى لدى فصائل المقاومة الفلسطينية والعراقية واللبنانية اليوم فأبناء الحجارة وأحفاد الرّصافة لا يملكون ترسانات من الأسلحة وقرارات أممية وتواطئا عربيا وإنما يمسكون حجرا بيد ونجمة بيد أخرى، باسقين كشجر النخيل في العراق، لأن الثوري ليس مسموحا له أن ينهار فنهوضه يساوي نهوض العالم وان مات فوقوفا لا ركوعا. هذا هو "إرنستو تشي غيفارا"يقتسم الخبز والحلم مع الفقراء ويطلق الرصاص على اليانكي، رحل ولم يترك لأبنائه أية ممتلكات بل انه ائتمنهم عند الدولة لإيمانه الرّاسخ بأن الثورة تضمن لهم الحياة والتعليم هذا هو ارنستو تشيغيفارا الذي سيحتفل كل مناضل حر وتقدمي بذكرى وفاته/حياته يوم غد الاحد 7 أكتوبر