بحث هذه المدونة الإلكترونية

2012/11/01

امارة دوار هيشر؟!

تعتبر مناطق حي التضامن ودوار هيشر وحي خالد ابن الوليد بمثابة مثلث برمودا، فهذه المناطق الثلاثة من ولاية منوبة غرب العاصمة تعتبر المناطق الأكثر فقرا وتهميشا، ولذلك تكثر فيها الجريمة وتنتظم فيها العصابات الإجرامية، وتعيش هذه المناطق طوقا أمنيا منذ زمن بن علي، حيث لم تتعامل الدولة مع أهالي المناطق الثلاثة كمواطنين لهم الحق في الحياة الكريمة بكل شروطها، بل ظلت محرومة من المرافق الأساسية ومن البنى التحتية التي تجعل من المناطق الأكثر كثافة سكانية في تونس، مناطق آمنة "يحلو" العيش فيها، وكانت بمثابة السجن الكبير، ولذلك لا نستغرب اليوم ما يحدث فيها من عنف منظم ومن عصيان وتمرد على الحكومة الحالية التي تواصل سياسة التهميش واللامبالاة لأكثر من مليون ونصف المليون ساكن بهذه المناطق... إن الصراع المحتدم اليوم بهذه المناطق وخاصة بمنطقة دوار هيشر بين الحركات السلفية من جهة ورجال الأمن وقوات الجيش من جهة ثانية، إنما هو وليد السياسة المتبعة من طرف الحكومة الحالية، فهي من جهة تجاهلت تماما المطالب الأساسية لهذه المناطق والمطالبة أساسا بحقها في التنمية والشغل، وأيضا للتعامل الانتهازي مع الحركات السلفية واعتمادهم كورقة ضغط على كل من خالفهم الرأي وهو ما جعل من هذه الحركات تتحول إلى قوة ضغط حقيقية وتشرع لنفسها ممارسة "قانونها الشرعي" بدلا من القانون المدني لمؤسسات الدولة... وهذا "الدور" الجديد لا يبدو غريبا خاصة أمام الإصرار على تقسيم المجتمع التونسي إلى جزء علماني وجزء كافر، وهو ما يغذي نزعة الانتقام والعزل "للأقوى" وبالتالي تشريع قانون الغاب الذي ينسف كل مقومات العيش المدني الآمن... فما يحدث منذ أيام في دوار هيشر من عمليات كر وفر بين باعة الخمر خلسة من جهة والسلفيين من جهة ثانية لا يدخل إلا في باب "السكوت" على الإجرام، فباعة الخمر خلسة مارقون عن القانون وبالمثل السلفيون مارقون عن القانون، غير أن ما يجعل من كرة النار تكبر لتحرق المواطن العادي الباحث عن أمنه واستقراره هو التعامل الهش للدولة مع الفئتين، فهي تتعامل مع باعة الخمر، كما كان يفعل بن علي، بشكل سري لتقصي الأخبار وجمع المعلومات وبالمثل تدعو إلى التحاور مع السلفيين وتتقاسم معهم الفضاءات الدينية، بل إنها لا تكتفي بهذا الدور وإنما تُمعن في إفقاد الدولة هيبتها عندما تُلقي التهم على الأطراف السياسية المعارضة لها ببث الفتنة ودعم المجموعات الإجرامية لبث الفوضى... وكذلك تحميل وسائل الإعلام تضخيم الأحداث!!! هذه الحكومة بنفس الأجهزة الأمنية والعسكرية للنظام السابق بل وأكثر، تلك التي كانت قادرة ذات يوم على تتبع شخصين التقيا للتخطيط لجريمة حق عام في مقهى شعبي أو حمام عمومي أو مسكن مغلق النوافذ والأبواب، غير قادرة، بنفس تلك الأجهزة اليوم، على التدخل لإيقاف المجموعات التي تتدرب على فنون تقطيع الأصابع وتشويه الوجوه وبث الرعب في النفوس الساكنة... والتي طالت اليوم رجال الأمن ذاتهم!!! وباتت تقوم "بدوريات تمشيط" بحثا عن باعة الخمور و"السافرات" والمفطرين... والمبدعين لتأديبهم حسب الشرع!!! إن المؤسسة الأمنية، ورغم ما تقترفه يوميا في حق المواطن من انتهاك لحرياته وقمع وتنكيل به، فهي تبقى المؤسسة الأولى التي تسهر على حماية المواطن وفرض القانون، وقد بدأت عديد المؤشرات الايجابية "تكتسح" بعض الأمنيين بعد "الثورة"، غير أن التوجه العام لسلطة الإشراف يجعل من وزارة الداخلية مرفقا حزبيا بالأساس (مثلما صرح بذلك الناطق الرسمي باسم النقابة الأساسية لسلك الحرس الوطني) كما أن المجلس الوطني التأسيسي تجاهل الرسالة المفتوحة التي تم توجيهها من طرف الجمعية التونسية من أجل شرطة وطنية التي طالبت فيها بوضع إطار قانوني للمؤسسة الأمنية يساير متطلبات مرحلة ما بعد الثورة وهذا التجاهل والإصرار على تسييس المؤسسة الأمنية (وباقي مؤسسات الدولة) من شأنه أن ينسف إمكانية تأسيس أمن جمهوري محايد... وبالتالي نسف أهم مقوم من مقومات حقوق الانسان والحريات العامة والفردية، وقد يقوض كل إمكانات الاستقرار الدولي خاصة أمام الخطة "الذئبية" للولايات المتحدة الأمريكية لتطويق الجزائر واستحلاب نفطها بتعلة مقاومة الإرهابيين في مالي... بعد زيارة هيلاري كلينتون لعبد العزيز بوتفليقة... وبعد افتضاح سيناريو مقتل السفير الأمريكي ببنغازي... على يد الأمريكان أنفسهم...