بحث هذه المدونة الإلكترونية

2013/04/25

"ما تدوم كان بطحة محمد علي"

تماما مثلما تم الالتفاف على مطالب الثورة التونسية وتعويم مطالب المفقرين والمهمشين والمحرومين بفتاوي الجهل و"ضيوف" التشريفات الرسمية لتسميم العقول، تسعى اليوم نفس الأطراف إلى سحب البساط من تحت مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل الوطنية التي جاءت خيمة واسعة لم تُقص أحدا، ولم يكن لمقترحيها نية سياسية أو رغبة في السلطة، بقدر ما كانت "الأرضية" المقترحة، متشبعة بروح الثورة ومطالب من قام بها واستشهد لأجلها ولأجلنا، وأيضا للخروج بالبلاد من عنق الزجاجة الذي "دفعتنا" إليه "حكومة الأسلاك الشائكة". وحتى نذكر من قد ينسى أو يتناسى، فان من بين مقومات مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل نذكر: المطالبة بحكومة محدودة العدد لا يتحمل أعضاؤها مسؤوليات حزبية ولا يترشحون للانتخابات القادمة رئاسية كانت أم تشريعية، وان يكون لأعضائها الصلاحيات الكافية وقوة المبادرة. وأيضا الرجوع عن التعيينات الحزبية، وتشكيل لجنة عليا للتشاور حول التعيينات الجديدة وفق مقاييس موضوعية، وحل كل اللجان والميليشيات والرابطات والمجموعات المنظمة التي تنشر ثقافة الكراهية والضغينة والعنف تجسيدا لمبدأ احتكار الدولة وحدها مسؤولية الأمن وحماية الحريات العامة والخاصة، وكذلك الإسراع بكشف حقيقة كل أحداث العنف وحقيقة اغتيال الشهيد الوطني شكري بالعيد وتقديم الجناة ومن يقف وراءهم إلى العدالة، إلى جانب تحييد المساجد والنأي بها عن الصراعات السياسية والحزبية ومحاسبة كل الداعين للتكفير والتحريض على العنف، والتعجيل بتركيز الهيئة المستقلة للقضاء والهيئة العليا المستقلة للإعلام والهيئة العليا المستقلة للانتخابات ومراجعة ضبابية المعايير المعتمدة في تعيين أعضائها وتعيين سقف زمني محدد للانتخابات، وتفعيل ما تم الاتفاق بشأنه في العقد الاجتماعي الممضى بين الأطراف الاجتماعية ومعالجة الوضع الاجتماعي المتردي. هذه النقاط الرئيسية التقت حولها الأطراف الحزبية والمدنية والنقابية، ووحدها ظلت الترويكا تغرد خارج السرب، بل كالت التهم للاتحاد واعتبرته يتدخل فيما لا يعنيه (هكذا) وطالبته "بالتزام حدوده"... ثم تتالت مداخلات "المسؤولين" الحكوميين في وسائل الإعلام لإدانة الإضرابات والتحركات المشروعة... بعد سنة وبضعة أشهر من إطلاق الاتحاد العام التونسي للشغل لمبادرته الوطنية، زادت البلاد انحدارا نحو الأسوأ، وتراكمت ذات المشاكل، وظلت "الترويكا" على نهجها سائرة تنثر الأخطاء أنى ولت وجهتها وحيث تكلم "مسؤول" من أحزابها الثلاثة... وبعد الجولات المكوكية ونصب المشانق للعلمانيين وطرد السفير السوري واستقبال رابطات حماية الثورة والاستماتة في الدفاع عن دويلة قطر وجمعيتها الخيرية... دعا رئيس الجمهورية المؤقت إلى "مؤتمر حوار وطني"، وبقدرة قادر تم "تطبيع العلاقات" بين حركة النهضة وحزب حركة نداء تونس، وبقدرة قادر أيضا صار الاتحاد العام التونسي للشغل طرفا في طاولة الحوار معني بالشأن السياسي... وتم تكليف شخصيات سياسية لإقناع قيادة الاتحاد بالالتحاق بمبادرة "الرئيس"... وكذلك الجبهة الشعبية... هكذا بعد أن رفضوا المبادرة الأصل هرعوا إلى نسخة فرعية... وكأن الزمن الذي خسره الشعب التونسي لا معنى له... المأزق الذي بلغته تونس اليوم لا يحتاج إلى قصور باذخة مرفوعة الأسوار والجدران بقدر ما يحتاج إلى مساحة حرة وفضاء مفتوح لا تعلوه المزاليج مثل بطحاء محمد علي الحامي... التي تظل قريبة من نبض كل الطيف السياسي دون تعال وفي نفس الوقت مستقلة عن الجميع.