بحث هذه المدونة الإلكترونية

2013/05/15

gilet pare-balles والفاشية الثالثة

إذا كان "الشيطان يسكن بين التفاصيل" فإن "القتل" يسكن هو الآخر ذات التفاصيل، تلك التي لا نعيرها اهتماما في الغالب الأعم. فهذا "القتل الأزرق" الذي تزكمنا رائحته من مغاور مرتفعات الشعانبي أو على الحدود التونسية الليبية أو من أدغال وغابات الشمال الغربي على الحدود الجزائرية... ولم تخلو منه أحزمة الفقر المتاخمة لتونس العاصمة... يزفنا كل يوم أخبار الرصاص والألغام وأدوات نشر ثقافة الموت... وعودا إلى التفاصيل، فإن بعض الإشارات البسيطة، وبعض التفاصيل العابرة نلتقطها هنا وهناك، حذو خطواتنا، وأمام أعيننا لنقف على حقيقة باتت تترسخ اليوم في تونس مفادها أننا بصدد الانحدار نحو نظام ديكتاتوري في ظل حكم فاشي... ومن هذه الإشارات، تحرك بعض الزعماء والناشطون السياسيون، وحتى بعض المثقفين والمبدعين وهم يرتدون "الصدريات الواقية من الرصاص" أو المتعارف عليها باللغة الفرنسية (gilet pare-balles)، والى جانب استخدام هاته الصدريات الواقية فان البعض منهم وجد نفسه "مجبورا" على التحرك بين حارسين أو أكثر يلازمونهم أينما تحركوا... حمة الهمامي، الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية، حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، الباجي قائد السبسي مؤسس حزب حركة نداء تونس... ثلاثتهم محاطون بحراس رئاسيين يسهرون على سلامتهم وأمنهم وكأنهم يتحركون فوق حقل ألغام مكتنز بالفخاخ، وليسوا في وطن حسبوا أن آخر طلقاته الغادرة أُطلقت يوم "الخميس الأسود"... "الطاغوت" المتوجب قتله واغتياله وتصفيته من "أرض الإسلام" سيتعدى الملايين من التونسيات والتونسيين، ولئن كانت القائمات مدججة بالسياسيين والإعلاميين والحقوقيين فما هي إلا "فاتحة شرعية" كتلك التي كانت في أرض مالك حداد وجميلة بوحيرد... ولكن هل الملايين قادرون على اقتناء "صدريات واقية من الرصاص"؟ وهل الملايين لهم من المال ما يكفي "لتأجير" حراس شخصيين؟... إن التدرج في "تعبئة" الصدور والسطو المستمر على المساحات والفضاءات العمومية من جهة، ومن جهة ثانية التقوقع الإيديولوجي البسيط والساذج في بعض الأحيان لدى "الأحزاب المدنية" جعلت من فزاعة الإرهاب السلفي الشجرة التي تحجب عن الشعب الذي أسقط نظاما ديكتاتوريا يرتد عن المطالب الأساسية التي ثار من اجلها، وتتحول وجهته بطريقة ميكانيكية نحو الجبال والمغاور وأحزمة الفقر، وصار الأمن خبزه اليومي... أن مناضلا مثل حمة الهمامي، الناطق باسم الجبهة الشعبية، لم يرتد طوال مسيرته النضالية ضد بورقيبة وضد بن علي، صدرية واقية من الرصاص، ولم يتحرك وسط حراس شخصيين، وهو الذي عاش لأكثر من عشرة سنين في "السرية"، ومع ذلك هاهو يجد نفسه اليوم بعد الثورة التي حلم بها وكان لشباب حزبه دورا في تأجيجها، ها هو يجد نفسه اليوم في فترة الانتقال الديمقراطي محاطا بحارسين شخصيين من رئاسة الجمهورية ويرتدي صدرية واقية من الرصاص... وها أن الأمين العام لأكبر منظمة شغيلة، الاتحاد العام التونسي للشغل، ولئن رفض ارتداء الصدرية الواقية من الرصاص، إلا أن حركاته صارت محل أنظار حارسين شخصيين من رئاسة الجمهورية أيضا... قد تكون فاجعة اغتيال المعارض السياسي شكري بالعيد، أمام بيته بطريقة هوليودية تذكرنا بما حصل في الجزائر وفي لبنان أيضا، قد تكون النقطة الفاصلة بين مرحلتين، مرحلة مهتزة أمنيا ولكن دون بصمات إرهابية واضحة وحاسمة، ومرحلة ثانية دخلت فيها البلاد في منعرج الاغتيالات ورسائل التهديد المباشرة وغير المباشرة للمعارضين السياسيين بدرجة أولى وللإعلاميين بدرجة ثانية... ومن ورائهما الشعب التونسي عموما. إن استهداف بعض الرموز المعارضة للفريق الحكومي المؤقت الذي تتزعمه حركة النهضة اليوم في تونس، بشكل مباشر وحاد سينسف حتما ابسط قواعد اللعبة الديمقراطية، وسيجعل الطريق نحوها مفخخا بالألغام والمطبات التي ستُعجل بانتكاسة مرحلة الانتقال الديمقراطي الموعودة، وتُمهد الطريق مرة ثالثة، بعد النظامين السابقين، إلى تكرار التجربة الفاشية من جديد، غير أن الفاشية الثالثة، تختلف في عمقها عن سابقتيها، فلئن أبد الحبيب بورقية حكمة طيلة ثلاثين سنة بسبب نرجسيته المفرطة، ولئن ظل نظام السابع من نوفمبر جاثما على الصدور طيلة 23 سنة كاملة تحت مسمى الإصلاح الديمقراطي التدريجي، فإن طبيعة النظام القادم تبحث لها الآن علة قدم وسط شرعية الكفر والإيمان لتتدحرج أيقونة الديمقراطية تحت شريعة القرون الغابرة...